" التعصب " يُهدد اللعبة الأكثر شعبية في غزة

الإثنين 2016-10-10 13:03:20 تعليقات: 0
 التعصب  يهدد اللعبة الأكثر شعبية في غزة

كتب - إيــاد الدريملي رئيس نادي فلسطين

تحظى لعبة كرة القدم باهتمام كبير لدى الشارع الفلسطيني, وتعتبر من أهم الألعاب الشعبية على الإطلاق, حيث شكل عشاق تلك اللعبة العديد من روابط المشجعين وبات لا يخلو نادي رياضي  دون رابطة تشجع فريقه الرياضي في الملاعب, وأصبحت تشكل أهمية ورافد هام لتقدم وتطور وتنامي لعبة كرة القدم في قطاع غزة, وفى المقابل باتت تؤثر على سياسات وقرارات إدارات الأندية والمؤسسات الرسمية والكروية من جهة, واللاعبين والمدربين الذين يمارسون اللعبة, والحكام من جهة أخري, حتى وصلت بعض الاندية الى العمل تحت ضغط وعبيء شديد تمارسه هذه الجماهير, كون هذه اللعبة الأكثر شعبية, فى ظل إزدياد وتفاعل محبى ومشجعى هذه اللعبة , التى يحتشد اليها الالاف المشجعين.

ونتيجة للضغط والأوضاع المعيشية التى يعيشها سكان القطاع ,من ظروف اقتصادية وإجتماعية, وثقافية, وسياسية وحالة من الحصار, والإنقسام, بين المناطق, والأحزاب, والقيادات, ظهرت بعض السلوكيات الشاذة والمرفوضة والخارجة عن اخلاقيات اللعبة من بعض الأشخاص القلائل الذين يفسدون اجواء المتعة والاثارة اثناء تنظيم المباريات, ويعملون على تأجيج الخلافات, وإفتعالها, من خلال التسلل  بين صفوف بعض روابط المشجعين فى المدرجات.

إن إزدياد نشاط( روابط المشجعين) له اهمية فى تبنى وتنامى اللعبة ولكن يقتضى العمل فوراً للمحافظة على طابع التشويق والإثارة في مشاهدة تلك المباريات, حيث يمثل قيام بعض الشاذين بممارسة أفعال ترتبط ( بالعنف)  متجاوزين القيم الرياضية مشكلة تستدعى الإنتباه , فبات العنف ظاهرة اجتماعية معقدة, (قديمة جديدة) أخذة بالأتساع , تنذر بخطورة كبيرة قد تلقى بظلالها على مستقبل هذه اللعبة, مهددة قواعد السلم الأهلي برمته, وقد توجه ضربة للعلاقات الاجتماعية, وتدمر مفاهيم وقيم الحياة الرياضية, جراء تلك التصرفات الطائشة’ التى قد تفضي إلى فوضي عارمة, لدي فئات المجتمع, خاصة الشباب, باعتبارهم من يمارسون اللعبة, واحد أهم ركائزها, فالاهتمام بالقطاع الرياضي مسألة ملحة خاصة بالنسبة للشباب الذين يتخذون من الملاعب متنفسا عن همومهم، وشغل اوقات فراغهم, وفى ظل غياب استراتيجيات وطنية تعنى بالشباب, وغياب مخصصات وموازنات تدعم هذا القطاع الحيوى الهام, وغياب استغلال هذه الطاقات بشكل ايجابى.

 لذا يتوجب على الجهات المسئولة كافة الاهتمام بضمان عدم تعكير صفو الواقع الرياضي جراء بعض التصرفات من قبل قلة قليلة توقع عنفاً له انعكاسات سلبية, بإعتباره  وسيلة لتحقيق حاجيات ورغبات نفسية واجتماعية للشخص, يلعب التقليد دور في انتشاره  فهو ظاهرة مكتسبة عن طريق الملاحظة, والمحاكاة, يتعلمها الأفراد كما يتعلمون أي نوع من أنواع السلوك الذي يدفع بعض الشباب إلى مناصرة فريق ما بحماسة شديدة ومفرطة , تؤدى إلى ظهور التفرقة بين أبناء شباب الوطن الواحد بسبب مفاهيم مرتبطة بالجهوية, والعصبية, والمناطقية الجغرافية المقيتة, وغياب روح التسامح والقيم السامية, التي تهدد السلم الأهلي وتماسك المجتمع, نتيجة عوامل التعبئة والتغذية و التنشئة الاجتماعية والتربية, و انتشار ظاهرة العنف في المجتمع بصفة عامة, كالعنف العائلي, والمدرسي, والعنف الإجتماعى بشكل عام, التى من خلالهما يكتسب الفرد تنشئته الاجتماعية وثقافته وأخلاقه , كذلك غياب الوعي عند بعض الشباب بأهمية الرياضة كونها لعبة فيها الرابح والخاسر.
إن ضعف التدخلات والبرامج  داخل المنشئات الرياضية, إضافة لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة بين المجتمعات تتسبب في انتشار ظاهرة العنف في الملاعب, فالعنف الذي شاهدناه في المباريات الكروية في مصر مؤخرا هو تعبير عن وجود أزمة المشروع التنموي فيها, إذ لا يمكن أن نعزل ما يقع في الملاعب عما يقع في المجتمع, فالملعب ليس إلا انعكاسا للواقع الاجتماعي, والشباب الذي لا يجد متنفسا للتعبير عن ذاته و يفشل في تحقيق بعض المتطلبات يبحث عن فضاء لتفجير هذه المكبوتات، وتشكل الملاعب الكروية فضاء لذلك .

 فعدم وجود مزيد من الملاعب والمرافق المهيئة والملائمة, ووجود بيئة للتعبئة السلبية اتجاه المنافسة و الشحن الإعلامي السلبي للجماهير, و التعصب والانجراف العاطفي والحماس الزائد, وتصريحات التحدي والوعود من قبل الإداريين.والطاقم الفني أو المدربين أو حتى اللاعبين بكسب نقاط المباراة, واستفزاز المشجعين من قبل بعض اللاعبين, وميل بعض الأفراد إلى العنف عندما يكونوا في جماعات, وقلة الإمكانيات داخل الملعب , والعنف المتبادل بين اللاعبين كاستخدام العنف والخشونة في اللعب.

كما أن للحكام دور مهم وفعال في رفع أو خفض درجة العنف لأنه يعمل على تطبيق قوانين اللعبة بصرامة وموضوعية , ولا ينبغي له أن ينحاز إلى أي فريق, ناهيك عن التصريحات التي يدلي بها مدربي الفرق وأجهزتها الفنية, أو اللاعبين قبل المباراة قد تدفع المشجعين للتأثر و اللجوء للعنف كأن يتوعد المدرب أو بعض اللاعبين جمهورهم بالفوز لكن أثناء المباراة يظهر الأداء السيئ وبالتالي الخسارة مما يدفع المشجعين إلى إحداث العنف .

بالاضافة إلى أن الإعلام في بعض الأحيان يغذي العنف عندما يتحدث عن مواجهة تاريخية, وعن معركة حاسمة، وكأنه يتحدث عن حرب وليس عن مباراة رياضية في كرة القدم, فالمصطلحات التي تستخدم في بعض الأحيان من طرف وسائل الإعلام لتضخيم هذه المباريات هي التي تولد أحيانا مواقف التعصب وتدفع بالأطراف المختلفة إلى أعمال شغب, لذلك فمن الضروري أن يتسم الإعلام بخطاب متزن ومعتدل, علاوة على تبنى خطاب تربوي يهيئ للسلم الأهلي وتعزيز مفاهيم التسامح, والمتعة والتشويق الايجابي, مع توظيف البرامج والخطط و الأموال في القطاع التربوي والتثقيفي, بشكل أفضل في التقليل من حدة الشغب في الملاعب ، ويجب أن يبدأ ذلك في سن مبكرة عند الأطفال, و فرق الناشئين في الأندية ضمن خطة وطنية شاملة.

كما يعتبر ضعف التنسيق والحوار, وتبادل المعلومات, بين الأندية الرياضية, و الأجهزة الرسمية و إتحاد كرة القدم, وروابط المشجعين, وعدم وجود مراكز أو مؤسسات مهنية مهمتها قياس تنبؤات الجماهير بما يمكن أن يحدث خاصة وأن النشاط الرياضي مرتبط بتجمع جماهيري حاشد لا يمكن ضمان ردود الفعل الناجمة عنه، وصعوبة التحكم فيه، فضلا عن عدم خضوع الجميع للانضباط والامتثال للقانون, كل ذلك ينذر بوقوع مزيد من المشاغبات, فى  ظل ضعف وجود حلول ناجعة لمحاصرة العنف والمشاغبات المتنامية في المدرجات حيث إن الجهات المختصة تتعامل مع الأعراض ولا تتعامل مع المرض حتى هذه اللحظة.

لذلك كله نحن امام آثار ونتائج وخيمة ناجمة عن استمرار  ممارسة العنف في الملاعب الرياضية في المستقبل ,سواء بالنسبة للفرد والمجتمع ككل, ويجعلنا نتساءل هل ستشكل الأحداث والمشاغبات السابقة حافزا للمسئولين, وروابط المشجعين  للعمل بشراكة ومسؤلية لحماية هذه اللعبة و تدارك الأخطاء وبناء تدخلات عملية ذات جدوى من أجل محاصرة اتساع حالة العنف ؟؟
 لذا نرى أن الجميع دون استثناء مطالب بالعمل للحد من هذه المشكلة سواء كانت مؤسسات حكومية, أو اتحادات, وأندية, أو مؤسسات دولية، ومجتمع مدني, أو أفراد , فالحلول المرجوة  لتقليص ظاهرة العنف في الملاعب  تتمثل في إطلاق حملات وطنية, ومبادرات مجتمعية, وعقد سلسلة من ورشات العمل, والعديد من المؤتمرات, وجلسات التوعية, والتثقيف, وتدريب طواقم الأندية الرياضية, و الفنية والإدارية, إضافة للمؤثرين في روابط المشجعين, حول تعزيز مفاهيم السلم الأهلي, وتقبل الأخر, والتعايش, والتسامح, وتقبل مبدأ المنافسة بين الربح والخسارة, والعودة لمتعة اللعبة وعروضها الشيقة, وخلق برنامج تبادل شبابي, ومعسكرات, ومخيمات رياضية مغلقة بين روابط المشجعين ورفع مستوى الاتصال, والتنسيق, والتعايش بينهم, إضافة إلى ضرورة تعزيز قدرات ومهارات بعض الكوادر الرياضية, ومشجعى الفرق, وتشكيل طواقم المتطوعيين منهم وتدريبهم ,وتأهيلهم جيداً على المساهمة فى تعزيز السلم الرياضى, ومحاصرة الاشكاليات فى الملاعب, وكيفية المساعدة فى التعامل والسيطرة والتدخل المبكر مع هذا النوع من العنف داخل المنشئات الرياضية, والعمل على تخصيص جوائز قيمة ومغرية لأحسن روابط للمشجعين المنضبطة خلال كل موسم كروي , ومنح مزيد من الجوائز للمشجع المثالى, واطلاق برامج لاستغلال تلك الطاقات وتفريغها فى مكانه الصحيح داخل المجتمع والحياة الرياضية, وضرورة قيام روابط الأندية بتعزيز مبدأ التشجيع المثالي, واللعب النظيف لتحفيز اللاعبين داخل المستطيل الأخضر بشكل حضاري, و أهمية تفعيل المبادرات التي طرحت من المؤسسات الرياضية، التي تسهم في نبذ و تراجع حالات العنفو العمل على إعادة تهيئة وموائمة الملاعب الكبرى من بوابات, وممرات, وتجهيزات, و زيادة نقاط الرقابة, والكاميرات التي تصور جميع أركان المدرجات, وتعريف المشجعين بذلك, وتفتيش الحقائب والمحتويات التي تدخل المدرجات, وسن وكتابة الأنظمة والعقوبات المترتبة على مخالفتها لتكون أمام الجمهور بخط واضح, و على تذاكر الدخول, ,والعمل على تحديد قوائم لمفتعلي المشاكل فى الروابط, واتخاذ تدابير ولوائح ملزمة, وفرض عقوبات على الأندية التي يثبت تورطها في دعم المشاغبين على المدرجات وغيرها, كما يمكن نقل المباريات إلى ملاعب بعيدة عن ارض روابط المشجعين المشاغبة, وكذلك إقامة بعض المباريات بدون جمهور, وتعزيز الملاعب بالطواقم الطبية, والإسعافات, والدفاع المدني, وإغلاق الثغرات التي قد تحد من تسلل المشاغبين , فالمسألة ليست مرتبطة بالقوانين وحدها وإنما بالثقافة والتربية, وبغياب هذين العنصرين لن يكون بوسع القوانين حل المشكلة، وحدها, ولا بد أيضا من الاعتماد على العنصر التنموي في محاربة هذه الظاهرة, علاوة على غياب القدوة والنموذج داخل المجتمع الرياضي.

أعتقد أنه لا بد أن ننظر إلى عنف الملاعب على أنه مسألة اجتماعية وليست فئوية تقتصر على مجموعة من الأشخاص. فنحن بحاجة إلى مقاربة شمولية ترسخ لثقافة السلوك المدني, وهذا الأمر يتربى عليه الشخص داخل المؤسسات التعليمة وداخل الأسرة ،كما تساهم فيه وسائل الإعلام أيضا.
 

داخل الخبر تحت التفاصيل