



د. سلطان عدوان:
أحدث الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته تحولات جذرية في شتى مجالات الحياة، ومن ضمنها صناعة الأخبار وإنتاجها، وذلك نتيجة للتسارع المتواصل في التطورات التكنولوجية التي مهدت الطريق نحو التغيير والابتكار.
وقد كان لهذا التطور تأثير بالغ على كيفية صناعة الأخبار وصياغتها وتقديمها للجماهير المستهدفة بأساليب متنوعة وأشكال عديدة وجذابة تلبي مختلف الاحتياجات والأذواق. وفي هذا السياق، يمكن تناول تأثيره على الصحافة والإعلام بشكل عام، وعلى الأخبار بشكل خاص، من عدة جوانب مهمة.
يتجلى أبرز هذه الجوانب في تطور أساليب جمع الأخبار وتحليلها، واكتشاف القصص الصحفية، حيث أصبح قادراً على معالجة كميات هائلة من البيانات بدقة فائقة، الأمر الذي يمنح سرعة وفاعلية في تقديم الأخبار بالجودة والدقة المطلوبتين.
كما يمكن للقائمين على الاتصال تحديد طبيعة الأخبار التي تستحوذ على اهتمام الجماهير بفضل إمكانات التحليل التنبؤي، واتخاذ قرارات أكثر صواباً فيما يتعلق باستراتيجية المحتوى والإعلانات، وتخصيصها بكفاءة لزيادة العائدات من الإعلانات الرقمية، وتوزيع الأخبار بدقة وفعالية أكبر عبر مختلف المنصات.
علاوة على ذلك، يستخدم الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار بشكل آلي، وتوليد تقارير حول الموضوعات المتخصصة كالرياضة والاقتصاد والسياسة وغيرها من المجالات، بالاعتماد على البيانات المتوفرة والمدخلة.
وقد بدأت بعض المؤسسات بالفعل في توظيف هذه الإمكانات لإنتاج تقارير متخصصة وسريعة بفاعلية، وإنشاء محتوى متعدد الوسائط من خلال توليد النصوص والصور ومقاطع الفيديو المستخدمة في سياق الأخبار.
وبالتالي، يمكن توليد صور توضيحية واقعية أو رسوم بيانية ومقاطع فيديو قصيرة تثري المحتوى الإخباري وتجعله أكثر جاذبية.
ويستطيع الذكاء الاصطناعي أيضاً تحسين تجربة الجماهير، وتخصيص الأخبار وتوزيعها بناءً على سلوكهم الرقمي، وتحديد الموضوعات المفضلة لديهم بما يتناسب مع أذواقهم واهتماماتهم.
وهنا، يتمكن القائمون على الاتصال من تحليل سلوك الجماهير، وتعديل طريقة عرض الأخبار وتقديمها بأشكال متنوعة، مما يعزز المشاركة والتفاعل بشكل مباشر، حيث أن الأنظمة الذكية وأدواتها قادرة على إجراء محادثات آلية والإجابة على استفسارات الجماهير وتحليل مشاعرهم وقياس ردود أفعالهم تجاه الأحداث الجارية والمحتوى الإخباري، بهدف تعزيز جودة التغطية.
وفي العصر الحالي، يصبح من الممكن اكتشاف المحتويات المزيفة والمضللة والمشكوك في صحتها، من خلال تحليل الصور ومقاطع الفيديو والتحقق من دقتها، ومقارنتها بالمصادر والمعلومات المتاحة.
وهناك جوانب أخرى مهمة تتعلق بمستقبل الأخبار في عصر الذكاء الاصطناعي، تتضمن تكامله مع تقنيات أخرى مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي لتقديم تجارب إخبارية أكثر غنى بالتفاعل والانغماس.
وكذلك تأثيره على نماذج الأعمال الإخبارية وتغيير النماذج التقليدية وتطبيق التحول الرقمي للمؤسسات الإعلامية، مما يساعد في تطوير جودة الأخبار المقدمة، واستراتيجيات التسويق والاشتراكات المدفوعة.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة فاعلة في الصحافة الاستقصائية وكشف أنماط الفساد والمخالفات عبر تحليل الوثائق والبيانات، وعاملاً مساعداً في تسليط الضوء على وجهات النظر المتنوعة.
بالرغم من هذه الإيجابيات، توجد تحديات كبيرة تتعلق بالجوانب الأخلاقية والمصداقية والخصوصية والتحيز المحتمل والتلاعب بالرأي العام، بالإضافة إلى إمكانية الاستغناء عن بعض الوظائف مثل المحررين والمصورين والصحفيين الميدانيين، وتلك المتعلقة بالمهام الروتينية، في ظل الاعتماد المتزايد على أدوات الذكاء الاصطناعي.
وستكون هناك حاجة إلى تطوير الأطر التنظيمية والإدارية والتشريعية لتحديد كيفية استخدام التقنيات الجديدة بشكل أخلاقي في مجال الأخبار، وتدريب الصحفيين على التعامل معها، وتطوير مهاراتهم الرقمية.
وخلاصة القول، إن مستقبل الأخبار سيكون مزدهراً بفضل تطور طرق جمع الأخبار وتحليلها وتخصيصها وتوزيعها ووصولها إلى الجماهير المستهدفة وتحقيق التفاعل السريع، مما يضمن زيادة الكفاءة والدقة والتخصيص، مع ضرورة عدم إغفال التحديات المترتبة على هذه التحولات التكنولوجية.
![]() |