الإعلام وإدارة الأزمات .. استثمار استراتيجي لحماية المستقبل

الجمعة 2025-06-27 10:08:52 تعليقات: 0
الإعلام وإدارة الأزمات  استثمار استراتيجي لحماية المستقبل

دكتور سلطان عدوان:

تعد الأزمة، تلك النقطة المفاجئة والحاسمة، اختباراً حقيقياً لاستقرار أي كيان، وغالباً ما تأتي دون سابق إنذار، وتُحدث اضطراباً شديداً يضع الأطراف المعنية في موقف حرج، مهددة بذلك المصالح الأساسية والقيم.

وتمر الأزمة بعدة مراحل تتضمن الإنذار المبكر والحدوث الفعلي، التفاقم والنضج، الانحسار، التعافي والتلاشي.

ويتطلب التعامل مع الأزمات قدرة عالية على التكيف وسرعة في الاستجابة لتجنب النتائج السلبية، واستخلاص الدروس والعبر، وهذا يأتي عبر التخطيط المسبق، والتنفيذ الدقيق أثناء وقوعها، والتقييم اللاحق للوصول إلى الحلول.

في هذا السياق، يلعب الإعلام دوراً حيوياً لا يمكن إغفاله، من خلال وسائله التقليدية والرقمية التي تشكل أداة رئيسية لنشر المعلومات حول الأزمة، وتشكيل الرأي العام، والتواصل الفعال مع الجماهير.

وهذا يعني أن الإعلام عين ترى الأزمة وظيفتها إخبارية تشمل نقل المعلومات الدقيقة وكشف الحقائق عن حجم الأزمة، ويد تُوجه الجمهور وظيفتها توجيهية تقدم الارشادات وتوجه السلوك العام.

وتتجلى أهمية الإدارة الفعالة للأزمات والتواصل الإعلامي في عدة نقاط محورية، تبدأ بحماية السمعة وتقليل الخسائر المحتملة، مروراً بالحفاظ على ثقة الجماهير والأطراف الحيوية، فهي ليست مجرد رد فعل على الأحداث الطارئة، بل هي استثمار استراتيجي بعيد المدى في حماية مستقبل أي كيان ومفاتيح نجاح في عالم لا يتوقف عن تقديم المفاجآت.

والعلاقة بين إدارة الأزمات والإعلام تكاملية بامتياز باعتبار أن إدارة الأزمة تكاد تكون مستحيلة دون استراتيجية إعلامية واضحة وفعالة، وبالمثل، لا يمكن للإعلام أن يُحدث تأثيراً إيجابياً دون وجود خطة شاملة ومدروسة.

أدوات فعالة للأزمات

لضمان إدارة فعالة للأزمات، لا بد من تبني مجموعة من الاستراتيجيات القانونية والدفاعية والهجومية، والمعالجات المتكاملة والمثيرة في بعض الأحيان، والأدوات والإجراءات الممنهجة من بينها تشكيل فريق لإدارة الأزمة يضمن التغطية الشاملة لجميع الجوانب وتحديد الأدوار بوضوح، يليه وضع خطة مفصلة تُحدد الإجراءات الواجب اتباعها، وتتضمن سيناريوهات محتملة لكيفية التعامل مع التطورات المختلفة.

ولضمان اليقظة المستمرة، لا بد من توفر أدوات لمراقبة آخر التطورات المتعلقة بالأزمة، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الرقمية.

أحد أهم العناصر هو تعيين ناطق رسمي واحد أو عدد محدود من المتحدثين، على أن يكونوا مدربين تدريباً عالياً على التعامل مع وسائل الإعلام والتحدث بلباقة.

ومن الضروري إصدار البيانات الصحفية والرسائل الرئيسية بشكل مستمر، مع توظيف منصات التواصل الرقمية المتعددة لضمان مخاطبة الرأي العام ووصول الرسالة إلى أكبر شريحة ممكنة وبأقصى سرعة.

الإعلام الرقمي في مواجهة الأزمات

قبل وقوع الأزمة، يمكن استخدام الإعلام الرقمي في التوعية والتثقيف والاستعداد للطوارئ، من خلال إرشاد الجمهور حول كيفية الاستعداد، وما يجب فعله أثناء وقوعها، وكيفية التعافي بعدها.

وتزداد فعالية هذه الرسائل بفضل قدرة الإعلام الرقمي على استخدام محتويات مرئية ومسموعة ومقروءة، مما يجعله أكثر جاذبية وفعالية في توصيل الرسائل التوعوية.

وعند وقوع الأزمة، تصبح المعالجة الإعلامية حاسمة عبر الاستجابة السريعة والتواصل المستمر؛ فتجنب الصمت يغلق الباب أمام الشائعات والتكهنات.

ويجب دائماً التحدث بصدق وتقديم معلومات دقيقة لبناء الثقة وتعزيز المصداقية، مع التصدي الفوري للشائعات ودحض المعلومات المضللة، والتحكم في المسار الإعلامي وتوجيه السرد المتعلق بالأزمة للحفاظ على الرواية الصحيحة.

في العصر الحديث، اكتسبت منصات الإعلام الرقمي أهمية قصوى في إدارة الأزمات، وذلك بفضل مزاياها الفريدة يتصدرها سرعة انتشار المعلومات والوصول الواسع؛ فالمنصات الرقمية تتجاوز الحواجز الجغرافية والزمنية، مما يتيح تحديثات فورية أسرع بكثير من وسائل الإعلام التقليدية.

كما توفر قنوات للتواصل المباشر بين السلطات والجمهور، مما يسمح بتبادل الأسئلة، وتقديم الملاحظات، وجمع المعلومات من المتضررين في الوقت الفعلي.

علاوة على ذلك، تساعد المنصات الرقمية باعتبارها خط الدفاع الأول، في ربط الأفراد والمجتمعات المتأثرة، مما يمكنهم من تقديم الدعم المتبادل، ومشاركة الموارد، وتنظيم جهود الإغاثة بكفاءة.

كذلك يسهم الإعلام الرقمي في تعزيز ثقة الجمهور في الجهات المسؤولة عن إدارة الأزمة، ورصد الأوضاع وجمع البيانات ومراقبة الرأي العام بشكل مستمر، مما يوفر كميات من المعلومات ورؤى قيمة لاتخاذ القرارات.

هذه البيئة الرقمية المتطورة بحاجة إلى جوانب متقدمة في إدارة الأزمات، تشمل الالتزام بأخلاقيات الأزمة، ومكافحة الأخبار الكاذبة، وضرورة وجود قيادة ملهمة وفعالة، وفهم الجانب النفسي والسلوكي للجمهور والموظفين للاستجابة بفعالية، والاستفادة من التكنولوجيا في التنبؤ والتدريب.

ويقتضي النجاح التركيز على التخطيط الاستباقي ومنع الأزمات عبر أنظمة الإنذار المبكر، وإدارة ما بعد الأزمة والتعافي طويل الأمد لبناء سمعة المؤسسة وتعزيز صورتها على المدى الطويل.

داخل الخبر تحت التفاصيل